مستقبل الطفل يتعلق بمكان دفن الحبله السري





المقالة الأولى :

يتشارك الجزائريون في تقليد يعود تاريخه إلى آلاف السنين يمتد إلى الصين والهند، وهو المعاملة الخاصة بالحبل السري أو ''صرّة'' الطفل الرضيع، ورغم وتراجع الإيمان بهذه التقاليد التي لها تاريخ يتعلق بالديانات الوثنية، فإن الكثير من الجزائريين ما زال يؤمن بهذه الأساطير.
يتداول كبار السن،
خاصة في بعض المناطق الداخلية بالوطن، أنه إذا عقد الحبل السري لحظة الولادة نحو الجهة اليمنى يكون المولود تقيا من المواظبين على الواجبات الدينية، وإذا عقدت إلى اليسرى يكون من العصاة، والقصة الأكثـر تداولا لدى الجزائريين وحول سرة الرضيع تشير إلى ضرورة دفنها قرب مسجد أو في جامعة أو قرب قصر حاكم، ولا يجب حسب أسطورة أخرى أن يقع الحبل السري في يد شخص غريب عن الأسرة، لأنه من الممكن أن يستعمل في سحر المولود، وربما موته لاحقا، ولا يجب أن يقع الحبل السري في الماء أو يرمى قرب حيوانات، ولأن هذا يعني أن الطفل سيموت شابا وقبل أن يتزوج.
وتتداول الأسر الجزائرية تقليدا، مفاده أن حبل الرضيع السري يداوى بالكحل، وكان في السابق يعقد من قبل سيدة عجوز متدينة حتى يعيش الطفل إلى سن متقدمة تفاؤلا بسن العجوز، وتقواها التي ربطت له الحبل السري، ولا يجوز الكلام بأشياء لا تفيد التفاؤل أثناء ربط الحبل السري، وذلك أن أذني الطفل تكونا مفتوحتين لكل شيء في هذه اللحظات، والأكثـر شيوعا هنا كذلك هو أن الإنسان يحن دائما للموقع الذي ربط فيه حبله السري. 
  السيدة فطوم متخصصة في ربط الحبل السري 
تقول السيدة فطوم التي فاق سنها 84 عاما، عملت أكثـر من نصفها في توليد النساء في غرداية والأغواط ''كانت عملية ربط سرّة الرضيع في السابق أي قبل أكثـر من 50 عاما تتم في جو خاص، حيث وتحضر السيدات من كبار السن، ومن أقارب أم الطفل وأبيه وتربط السرّة وتلف مع أعشاب منها الحناء، وحبة الباركة والمسك، وقليل من زيت الزيتون والعسل حتى يكون الطفل حلوا كالعسل، وفي قطعة قماش خضراء، تربط على ''قماطة'' الطفل طيلة 40 يوما، ثم توضع في حفرة قرب مسجد أو مدرسة قرآن أو مسكن الحاكم أو المسؤول، حتى يكون للطفل مستقبل مشرق.
أما الآن فإن السرّة باتت ترمى في قمامة المستشفيات، بل وفي قمامة أهل الدار، ولهذا نحن نرى كل هذا الانحراف في الأجيال الحالية، ومن الضروري وحسب السيدة فطوم أن تحفظ  السرّة أربعين يوما في بيت الأبوين، ولا يجب أن تغادر السرّة البيت ليلا، لأن هذا سيعني أن الطفل قد يعاني من الأمراض في المستقبل.
وتقسم فطوم بالله أن كل القصص المتعلقة بالحبل السري صحيحة، حيث سبق لها أن قطعت حبلا سريا لطفل وضعت سرّته قرب قصر عين ماضي الشهير بالأغواط، والآن بعد أكثـر من 44 سنة بات هذا الطفل مسؤولا بشركة كبرى في بلجيكا.
ويسمى الحبل السري لدى الجزائريين بـ''الصرّة'' لكونه يلف في قطعة قماش. ويقال حسب الروايات المتداولة بأن ''السرّة'' تجلب الحظ لوالد الطفل إذا حملها معه، وومن الطرائف المتعلقة بالحبل السري هي أنه يحفظ مع النقود حتى يكون الطفل ثـريا في المستقبل. 
الدكتور عبد الحليم: أساطير الحبل السري أصلها فينيقي
 ويرى الباحث عبد حليم سقاي، المتخصص في علم الاجتماع، بأن كل القصص المتعلقة بالحبل السري هي مجرد خرافات لها أصل وثني، ويعود للقبائل الأمازيغية الأولى التي استوطنت الجزائر، وترتبط هذه الأساطير بموروث إنساني يعود لعشرات الآلاف من السنين، حيث تتشابه في كل من الصين والهند وبلاد فارس وبابل وبلاد الفينيقيين. ويعتقد عبد الحليم بأن هذه الأساطير انتقلت للأمازيغ والعرب من الفينيقيين الذين اعتقدوا بأن الكائن المسمى ''آكاديا'' ويسمى باللاتينية لامي، بالعربية القديمة لمياء، كان يخطف الأطفال من ذويهم ويتسبب في موتهم، لهذا كانوا يقدمون له قربانا هو الحبل السري للمولود في معبد وثني، ثم نقل دفن الحبل السري من المعبد إلى المسجد مع دخول الإسلام. 
الطب حسب الدكتور فيصل من غرداية له رأي آخر، فالحبل السري هو قناة تصل الجنين بالمشيمة داخل رحم الأم، ووظيفته تغذية الطفل ونقل الفضلات التي تتكون في جسم الجنين إلى جسم الأم، وخلال الولادة يقص الطبيب الحبل السري على بعد ما بين 5,1 و3 سنتمرات من سرة الطفل.
 وبعد أسبوع إلى 10 أيام من الولادة تجف هذه القطعة من الحبل السري.
وينفي العلم الحديث كل الظواهر التي تتعلق بالحبل السري، فهي مجرد شعوذة حسب الدكتور فيصل، ولكن يمكن الاستفادة من دم الحبل السري خاصة مما يسمى الخلايا الجذعية فيه مستقبلا، حيث ظهرت في أوروبا والولايات المتحدة، بنوك يتم فيها تخزين الحبل السري ضمن شروط خاصة تسمح بحفظه لعشرات السنين من أجل استعمال الخلايا الجذعية في علاج العديد من الأمراض التي قد تصيب الطفل في المستقبل، مثل مرض لوكيميا الدم باختلاف أنواعه الحادة والمزمنة، وفقر الدم بأنواعه المختلفة وأمراض النخاع الشوكي وأنواع متعددة من السرطان (سرطان الثدي، سرطان الدم، سرطان الكلى، وأمراض جهاز المناعة خاصة نقص بعض أنواع خلايا المنعة المتخصصة.


غرداية: محمد بن أحمد


---------------------------------------------------------

المقالة الثانية:


أين يذهب بعض السوريين بـ" الحبل السري" بعد ولادة أطفالهم ... ؟
تحقيقات


 يخشى بعض أهالي حلب من أن تأكل القطة الحبل السري لأطفالهم وإذا تحقق ذلك فاعتقادهم بأن هذا المولود سيموت حتماً كما تقول الحكايات الشعبية... وبالتالي يسعون لدفنه في مكان ما كمسجد أو كنيسة لكي لا تصل إلى مكانه قطة أو كلب و تلتهمه، حتى أصبحت مثلاً شعبياً ( فلان أكلت حبل سره القطة ) أي مهدد بالخطر .!!


وفور الولادة يقص الطبيب الحبل السري على بعد 2 سنتمر من سرة الطفل، وبعد أسبوع من ولادة الجنين تجف هذه القطعة من الحبل السري ، فهناك أناس يعتقدون بوضعها بمكان مقدس كالجامع أو الكنيسة على أمل أن يكون طفلهم رجلاً صالحاً بالمستقبل، لكن علم الاجتماع يرى بهذه الظاهرة شعوذة بينما يذهب الطب الحديث بأن دم الحبل السري يمكن الاستفادة من خلاياه الجذعية في المستقبل وهو ثورة حقيقية في علم الطب .



حكايا " الحبل السري "

علميا الحبل السري هو" القناة التي تسري فيها الغذاء من المشيمة إلى الجنين داخل الرحم ، ووظيفته نقل الغذاء والفضلات التي تتكون في جسم الجنين إلى دورة الأم الدموية ".

 إلا انه وعبر التاريخ حمل دلالات مختلفة تتعلق بمصير المولود وفقاً للباحث و المؤرخ الشعبي سمير طحان:"هذا الشيء يمكن أن نراه في رقى وتعاويذ موجودة على الرقم في أوغاريت ونينوى وحتى في الصين و الهند ، وهناك اعتقاد وآراء على أن الحبل السري يمكن أن يلخص حياة المولود فهناك كثيرون يقرؤونه ويمكن لبعضهم من قراءة كلمات من خلال الحبل السري تدل على مستقبل الطفل، و بما أنها تلخص حياة الطفل فكان لها ميثولوجيا خاصة فيها فلا يجوز أن يقع الحبل السري في أيدي عدو لأنه من الممكن أن يعمل له عملاً ما كالسحر والذي يتسبب في التأثير سلباً على مستقبل الطفل كالعمى أو العجز أو نقص النمو" .

ويتابع : " بما أن الحبل السري كان يلخص حياة المولود وفيه جزء من حياة الإنسان كان يقدموه كنذر للمعابد قديماً ، فهناك جنية اسمها " لاما " في الحضارات السومرية و الفينيقية و الآكادية وبالإنكليزية اسمها " لامي " وبالعربية " لمياء " وما يميز هذه الجنية هو اللون الأزرق لشفتيها وكانت هذه الجنية تخطف الأطفال وتؤذيهم وتحسباً لذلك ولكي ترضى هذه الجنية عن المولود كان الأهل يضعون الحبل السري لأطفالهم في هيكل تابع لهذه الجنية بأحد المعابد ، وقد استمرت هذه العادة و دخلت في منطقتنا عند الأديان التوحيدية فصار المسلمون يدفنون الحبل السري في الجامع والمسيحيون في الكنيسة و اليهود في الكنيس".



المكان يحدد مستقبل المولود

وهناك أعمال سحرية ممكن أن يقوموا بها عن طريق الحبل السري كتجفيف الحبل السري وتخبئته في مكان ما مثل كيس المال أو – الخرجية - يمكن لبعضهم أن تجلب السعادة للمولود ولعائلته وباعتقاد آخرين أنه من الممكن أن يزيد المال ، وهذه الخرافة ليست موجودة فقط هنا و إنما منتشرة في الهند والصين وأمريكا اللاتينية وأوروبا بالذات حسب ما قاله الباحث الطحان .

أم محمد ( 60 عام ) أرسلت الحبل السري لطفلها مع ابنها الكبير ليضع حبل سر أخيه الصغير في الجامع أملاً منها بأن يصبح طفلها مستقبلاً رجلاً صالحاً و صاحب دين .

والاعتقاد نفسه دفع أم وسيم ( 55 عاماً ) لتضع حبل سر أحد أطفالها عند مزار ضريح أحد الشيوخ الصالحين لينشأ طفلها نشأةً صالحة في حياته .

أما المعلمة فادية (42 عاماً ) فقد أرسلت حبل سر طفلها مع بنت الجيران التي تدرس في الجامعة لتضع الحبل السري في كيس صغير و ترميه بكلية الطب البشري لتكون هذه الخطوة بارقة أمل بأن يصبح طفلها طبياً في المستقبل ".



مجرد شعوذات

 بدروه يرى الدكتور أحمد أبو راس أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلب بأن هذه الظاهرة :"هي موروث إجماعي وتقليدي وغير مبني على أسس علمية وهي عبارة عن شعوذات وموروثات تقليدية قبلية قديمة لا تتناسب مع التطور العلمي الحاصل في المجتمع ، وبالتالي هذه الظاهرة ليست إلا من قبيل الأعراف والتقاليد والأمثال الشعبية كالاعتقاد حين يحك شخص ما يده عندها ينتابه شعور بأنه سيقبض نقوداً ، وهذه الظواهر تندرج ضمن المثيولوجيا والتي لم تكن مبنية على أسس علمية و إنما مبنية على تخمينات وحكايات شعبية ، ويلجأ إليها الإنسان كتقليد اعتاد عليه الآباء والأجداد لا أكثر ".



من الحكايا و الخرافات إلى العلم

وبحسب الباحث طحان :"عادت قصص الحبل السري الخرافية للتنتعش عندما بدأ علماء بأمريكا و أوروبا بدراسات على الخلايا الجذعية وكيف بالإمكان استعمال الخلايا الجذعية الموجودة بالحبل السري في الطب وهي كانت أحلام في المستقبل ، فكان لديهم إحساس بأن هذه الخلايا الحية التي تنزل من رحم الأم لها قوى خاصة يجب الاستفادة منها وليس عندهم القدرة العلمية للاستفادة منها ولذا في القديم حاكوا حولها الخرافات ، وما كان خيال علمياً فيما يتعلق بالحبل السري أصبح الآن واقعاً علمياً .

ويروي الطحان قصة حدثت في حلب منذ 50 عاماً عن "شخص تورمت عينه ولم يعد يرى فيها ، وقد أشرف على حالته الدكتور( ليون أسمر ) حينها قرر إرسال هذا الشخص ليتعالج عند أستاذه الذي يعمل طبيباً في جامعة فرنسية ، وشاع في حلب وقتها بأن الدكتور الفرنسي قد أخذ قطعة من الحبل السري لطفل وزرعها في عين هذا الشخص الحلبي ليتم شفاؤه وليعود إليه بصره لاحقاً ، فمنذ ذلك الوقت كان هناك توجه علمي لدراسة أهمية الحبل السري" .



ثورة جديدة في عالم الطب

الشيء الجديد في الطب الآن على مستوى العالم هو دم الحبل السري و دم المشيمة وفقاً لما قاله الدكتور أحمد الشيخ مدير مشفى الأطفال التخصصي بحلب موضحاً :" إنه يتم استخلاص دم الحبل السري والاحتفاظ به في بنوك دم الحبل السري وذلك ضمن درجة حرارة معينة لاستخدامه فيما بعد، لأن دم الحبل السري غني بالخلايا الجذعية والتي من الممكن تخصيصها لتصنيع الدم و أن تساهم في توليد كريات الدم الحمراء وتقوية جهاز المناعة ، وهذا يفتح آفاقاً جديدةً في علاج أمراض الدم و سرطان الدم ، و هو بالتالي فتح جديد أو حتى ثورة حقيقية في عالم الطب باستخدام هذه الخلايا " .

وتابع :"الخلايا الجذعية هي خلايا غير متخصصة وغير مكتملة الإنقسام ومن الممكن ضمن ظروف مناسبة لها أن تنقسم و تولد الخلايا الأصلية، وهذا ما يعملون عليه الآن في العالم من خلال الاحتفاظ بدم الحبل السري ببنوك مخصصة لهذه الغاية حيث يأخذون الدم من الحبل السري والمشيمة تماماً مثل تبرع الدم ، وليتم الإستفادة من دم الحبل السري في المستقبل".



بنك للحبل السري

 بادر بعض السوريين لوضع الحبل السري لأطفالهم في بنوك خاصة لفترة زمنية تصل عشرات السنين مقابل مبالغ معينة، هذا ما يرويه أب سوري (رفض ذكر اسمه ) أراد أن يضع الحبل السري لطفله بعد ولادته في كندا قائلاً : "هناك بنوك موجودة في أميركا وأوروبا مخصصة لوضع الحبل السري حيث يجمد ويحفظ للاستفادة منه في المستقبل إذا لزم الأمر، حيث توجد فيه مواد مطابقة للـ DNA ، فإذا لا سمح الله لزم أي أعصاب أو تغيير نخاع شوكي أو لم يعمل النخاع الشوكي عند أي ولد يتم حينها التبرع من عند أقرباء الدرجة الأولى، أو يمكن الاستفادة من الحبل السري لنفس الشخص حيث يكون قد احتفظ به سابقاً ببنك مخصص للاحتفاظ بالحبل السري "

ويضيف : وهناك نوعان من هذه البنوك عام وخاص ويتم إيداع هذا الحبل في البنوك إلى عشرين سنة مقابل مبلغ يتراوح بين 100 و500 دولار .

وعن تجربته الشخصية بهذا الخصوص يقول :" أعلمت بنك وشركة في كندا خاصة للاحتفاظ بالحبل السري لوضع الحبل السري لطفلي قبل أيام من ولادته ولكني للأسف نسيت أن أخبر المشفى لجهلي بأن الحبل السري يجب أن يوضع بالبراد بعد ساعة أو ساعتين عقب الولادة مباشرة ".



نصب واحتيال بدلاً من الاهتمام

 وبالمقارنة مع واقع الحال لدينا يقول المغترب السوري العائد من كندا :" للأسف هنا لا أحد يهتم بالاحتفاظ بالحبل السري لطفله فأغلب المشافي الخاصة والعامة ترميه مثل أي قمامة كانت، والأنكى من ذلك وجود بعض النصابين الذين يدعون أنهم يتكفلون بوضع الحبل السري ببنوك في لبنان مقابل مبالغ تقدر بثلاثة أو أربعة ألاف دولار ولكنهم يرمونه أيضاً ، ووعودهم لا أساس لها من الصحة حسب إطلاعي على قصص أناس قد نصب عليهم" .

 والسؤال الذي يطرح نفسه على الهيئات العلمية و البحثية الطبية وكل المؤسسات العلمية ألا وهو مدى صحة هذه الجوانب العلمية والاجتماعية ، ولماذا لا تبادر الهيئات العلمية العربية على مستوى البحوث الطبية بدارسة علمية معمقة لمعرفة حقيقة الحبل السري ومدى إمكانية الاستفادة منه في المجالات العلمية الحديثة حتى لا نكون آخر من يعلم.

علاء رستم - سيريانيوز

تعليقات